ما الذي علينا أن نخشاه؟
في المدارس الألمانية غالباً ما يتم تدريس الدين بناء على اختلاف الطوائف، وبالتالي يكون متاحاً للطلاب أن يتعلموا تفاصيل دينهم الخاص. لكن في بعض الأحيان يعلّم المدرّسون الطلاب المسلمين والمسيحيين سوية، كما في مدرسة التجارة في "هاغن هون ليمبورغ" على سبيل المثال.
يدقّ جرس المدرسة في الساعة الثامنة صباحاً. الطلاب من الصف الثالث عشر ينتظرون معلمتهم في رواق مدرسة التجارة في "هاغن هون ليمبورغ".
"دروس الدين البروتستانتي"، مكتوب على برنامج الحصص الدراسية. لكن هناك فرصة للطلاب البروتستانتيين، الكاثوليكيين، والمسلمين كذلك، ولمرتين في الأسبوع أن يتحدّثوا بحرية حول قناعاتهم الدينية. معلمة الدين "إلين غراتكيه"، وهي أيضاً قسّة بروتستانتية، تبدأ على الفور بالدرس. الموضوع الخاص اليوم: "كيف يتصوّر كل من المسيحيين والمسلمين الجنة والنار؟!".
حاول كل من الطلاب في الصف أن يعرض وجهة نظره، "أنّا إيركليرت" حاولت أن تشرح كيف رأى المسيحيون سابقاً يوم القيامة؟! وقد أبدى زملاؤها الكثير من الاهتمام بمحاضرتها، حتى أن أحداً منهم لم يعبث بهاتفه الذكي! بعد ذلك كان على "مجاهد" أن يقدّم تقريراً حول مفهوم يوم القيامة في الدين الإسلامي، وقد قال إن النبي عيسى بن مريم، أي المسيح، وكما جاء في كتاب القرآن سيحارب المسيح الدجال! هذا ما جعل زملاؤه يبدون دهشتهم، لكن مجاهد أصر على قوله: "لم أعثر على هذه المعلومة في أي موقع على شبكة الانترنيت، بل قالها لي إمام المسجد الذي أرتاده"، ثم طفق يجيب بصبر على أسئلة زملائه.
هنا بدأ الطلاب بالنقاش: كيف يمكن للإنسان أن يصعد إلى الجنة؟!
"لا ينبغي أن يكون عدد مرات زيارة الكنيسة مقياساً لذلك"، يحاجج "باسكال". وتُضيف "أوليفيا" وتقول: "الكنيسة لا تصنع الإيمان، أرى أن المؤمنين الحقيقيين في الواقع هم الذين يعيشون إيمانهم بشكل يومي".
"مجاهد" و"دولوني" يقولان إنهما إذا كان من الممكن التوافق بين دوام المدرسة وصلاة يوم الجمعة لذهبا إلى المسجد ليحضرا الصلاة. فيما اعترف "أرنيس" بأنه لم يذهب ولا مرة إلى المسجد أو صلاة الجمعة، ثم أكّد: "بالنسبة لي أنا أنمّي إيماني بنفسي، أقرأ القرآن دوماً وحدي، ووالداي علّماني الكثير حول الإيمان والدين، وهذا يكفيني".
صبية اسمها "سيلينا" أبدت تشكّكها فيما إذا كان الله موجوداً، وإن كان من الممكن له أن يقرّر من يذهب إلى الجنة أو النار: "في الواقع أنا مؤمنة، وأريد دوماً أن أبقى مؤمنة، ولكن ثمة الكثير من الأشياء السيئة التي تحدث في العالم، وأفكر حين أرى كل ذلك: إذا كان هناك إله فلماذا يسمح بحدوث كل هذه الفظائع؟"، فصمت الطلاب الآخرون.

Foto: Lena Ohm
بعد انتهاء الدرس، قالت المعلمة: "حين تسأل سيلينا ما إذا كان الله موجوداً ثم تعود إلى إيمانها المسيحي، بصرف النظر عن كونها خارج الكنيسة منذ سنتين ونصف، هذا يعيد النظر في حكمنا بأن الشباب لم يعودوا يعيرون اهتماماً بالمسائل الدينية". ثم أكملت المعلمة "إلين غراتكيه": "أحاول أن أجعل الطلاب يفهمون الأديان الأخرى بشكل أفضل". الأمر الذي يمكن ملاحظته حقيقة وبشكل جلي مع كافة الطلاب.
"مجاهد" يجد أن اهتمام الآخرين بتفاصيل دينه أمر جيد: "أحب كثيراً أن أتحدث حول ذلك، ولا أجد أن سؤال أي أحد أمر سيء، سواء أكان ذلك خلال الدرس أو بشكل شخصي فيما بعد". أما "أنّا" فقد قالت: "أنا أعرف الآن لماذا يوجد الكثير من الاتجاهات الدينية في الإسلام، وأستطيع أن أفهم التقاليد بشكل أفضل. على سبيل المثال لماذا ترتدي الفتيات الحجاب؟".
بطبيعة الحال فإن الطلاب لا يختارون رفاقهم على أساس أديانهم ، ولكن الجميع مع ذلك يبدي اهتمامه بإيمان الرفاق وأديانهم واعتقاداتهم. "في أيام الأعياد الإسلامية كما في عيد الميلاد لا أسأل صديقتي المسلمة كثيراً عمّا يفعلونه"، تقول "أوليفيه": "أو لماذا هو الصوم مهم إلى هذه الدرجة بالنسبة إليهم، بل بخلاف ذلك نفضل أن نتكلم عن مواضيع أخرى".
منذ هجمات باريس الإرهابية أصبح الدين أكثر من أي وقت مضى مادة ساخنة للحديث. يقول "باسكال": "المزاج المناهض للمسلمين يزداد صعوداً، حيث يقال بهذا الشأن الكثير من الترّهات والسخافات. لماذا يجب علينا أن نخاف من المسلمين؟ نحن نلتقي بزملائنا منهم هنا كل يوم".
يصيح طالب ما عبر الغرفة: بلوفر "دولوني" واسع بدرجةكافية لارتداء حزاماً ناسفاً! الكل يضحك حتى "دولوني". "كلنا نعرف إن هذا كله هراء"، تقول "أوليفيا".
"نحن بالتأكيد نؤمن بذلك"، يضيف "رينيه" "لكن هناك في الخارج عدد لا بأس به من الناس في الواقع يعتقدون بأشياء من هذا القبيل، وغالباً ما يكون من الصعوبة تغيير وجهات نظرهم!".
لينا كريستين أوم